المواريث

الميراث في القران.. عدالة إلهية لحفظ الحقوق

يوليو 3, 2024 - 02:07
 0  9
المواريث

الميراث في القران.. عدالة إلهية لحفظ الحقوق

حوار: ملك منصور

 

" تشريع "

تحدث الشيخ حسين النجار مدير عام وكبير الأئمة في وزارة الأوقاف عن الميراث في القران الكطريم قائلاً: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وباختصار شديد، الله سبحانه وتعالى شرع الميراث لتتداول التركة بين الناس بطريقة صحيحة، ليس فيها تدخل بشري، وليس فيها تدخل من إنسان كرقم. فتبقى التركة مستمرة يتصرف فيها كيفما أراد الله سبحانه وتعالى، من باب أن ربنا سبحانه وتعالى جعل هذا الإنسان خليفة في أرضه، فيخلف الله في هذا المال الذي تركه الله سبحانه وتعالى، تشريع الميراث ينعكس فيه حكمة الشريعة الإسلامية التي تهدف إلى تحقيق العدل والمساواة بين الأفراد في توزيع الثروة والمال بين أفراد المجتمع. وتجسد الحكمة في تشريع الميراث في عدة نقاط:

المساواة: يضمن تشريع الميراث توزيع الميراث بين الذكور والإناث بطريقة عادلة ومتساوية، حيث يحصل كل فرد على حصته العادلة من الميراث بغض النظر عن جنسه.

الاعتبار بالظروف: يأخذ تشريع الميراث بالاعتبار الظروف الاجتماعية والاقتصادية لكل فرد في المجتمع، ويضع آليات لتحقيق التوازن في توزيع الميراث وتلبية احتياجات الجميع.

الاستدلال بالنصوص الدينية: يعتمد تشريع الميراث في الإسلام على الأحكام الشرعية والنصوص الدينية التي تحدد حقوق كل فرد في الميراث وتحدد النسب المحددة لكل وارث.

الحفاظ على الوحدة الأسرية: يهدف تشريع الميراث إلى الحفاظ على وحدة الأسرة وتعزيز التضامن الاجتماعي من خلال توزيع المال والمواريث بين أفراد الأسرة بطريقة متوازنة وعادلة.

تعزيز الاستقرار الاجتماعي: يساهم تشريع الميراث في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والنفسي لأفراد المجتمع، من خلال إقامة نظام يوفر الأمان المالي والاقتصادي للأفراد ويحقق العدل والتوازن في التوزيع.

"تقسيم "

عندما يموت الإنسان ويترك ماله، ينتقل المال مباشرة إلى الورثة ويصبح تركة. لا يجوز للإنسان التصرف في هذه التركة إلا وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية. التركة لها متطلبات يجب مراعاتها قبل توزيعها بين الورثة، من هنا تُخرج من التركة جميع المصروفات المتعلقة بتجهيز الميت وتكفينه ومصروفاته الأساسية. بعد ذلك، تُنفَّذ الوصية التي أوصى بها الميت، ولكن ضمن حدود الشرع الإسلامي، حيث لا يجوز أن تتجاوز الوصية ثلث التركة، ثم تُسدد الديون المستحقة على الميت من التركة. بعد تنفيذ الوصية وتسديد الديون، يتم توزيع ما تبقى من التركة على الورثة الشرعيين.

 

التركة لا توزع فقط على الأبناء والبنات. فإذا مات الإنسان ولم يكن له ابن ذكر، أو كان لديه أولاد وبنات، أو كان له إخوة أو أخوات، أو والدان، فإن التركة تُوزَّع على الورثة الشرعيين وفقًا لما جاء في القرآن الكريم في سورة النساء، يقول الله تعالى: "يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ" (النساء: 11)، حيث يوضح التوزيع بين الأولاد. ثم يتحدث عن الأبوين وعن الأزواج، فيقول: "وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ" (النساء: 12)، ويتحدث عن حالة الرجل الذي مات كلالة، أي لم يترك أولادًا أو بنات، فيقول: "يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ" (النساء: 176)، فإذا لم يترك الميت أولادًا، تنتقل التركة إلى الأقرب من أقربائه مثل الإخوة والأخوات، وهكذا، فإن الله سبحانه وتعالى جعل توزيع التركة بين الورثة بالتدريج، أي يتم توزيعها على الأقرب من الأقارب الموجودين، فإذا لم يكن هناك أبناء، تنتقل التركة إلى الأبوين، ثم إلى الإخوة والأخوات وهكذا.

هذه الترتيبات تضمن توزيع التركة بعدل وإنصاف بين الورثة، وفقًا لما حدده الله في القرآن الكريم، مما يعكس حكمة الله في تنظيم العلاقات المالية بين الناس بعد الوفاة.

 

"تفضيل "

إن الله سبحانه وتعالى لم يفضل الذكر على الأنثى، وهذه الفكرة تعتبر مغلوطة تمامًا. إذا نظرنا إلى آيات القرآن الكريم، نجد أن الذكر لم يُفضل على الأنثى إلا في حالة واحدة، وهي توزيع الميراث حيث يحصل الذكر على نصيب الأنثى مرتين، في القرآن الكريم، يقول الله تعالى: "يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ" (النساء: 11)، وكأن الله جعل الأنثى هي الأصل وقاس الذكر عليها. لم يقل الله "يوصيكم الله في أولادكم الأنثى نصف نصيب الذكر"، لأن ذلك كان سيشكل كسرًا نفسيًا للأنثى، بل جعلها هي الأصل وجعل نصيب الذكر مساويًا لنصيب اثنتين من الإناث في حالة تساويهما في الدرجة من الميت، هذا التوزيع يأخذ بعين الاعتبار مسؤوليات كل من الذكر والأنثى في الحياة. فالأنثى في حياتها تكون مسؤولة من والدها، وبعد الزواج تكون مسؤولة من زوجها، وبالتالي فإن مالها يكون مصونًا. أما الذكر، فهو الذي ينفق ماله في الزواج ويصرف على زوجته وأولاده، وهذا هو السبب وراء تخصيصه بنصيب أكبر في الميراث في هذه الحالة، ومع ذلك، في حالات أخرى عديدة، قد تأخذ الأنثى نصيبًا أكبر من الذكر. فعلى سبيل المثال، تأخذ الأم الثلث بينما يأخذ الأب السدس في بعض الحالات، وهذا يعكس التوازن والعدل في توزيع الميراث حسب الشريعة الإسلامية. هناك أمثلة عديدة حيث تأخذ المرأة أكثر من الرجل بناءً على سياق العلاقة بالميت والظروف المحيطة، هذه الحالة الوحيدة التي ذُكرت، وهي أن الرجل يأخذ ضعف نصيب الأنثى في الميراث. ولكن الله سبحانه وتعالى، في حالة الرجل الذي ليس له ولد وله إخوة، يجعلهم شركاء في الثلث بالتساوي، كما أن الأنثى تأخذ نصيبها. فلا يوجد تفضيل مطلق لأحد على الآخر.

إذا بحثنا في مواضع أخرى، نجد أن المرأة مفضلة على الرجل في بعض حالات الميراث. المقولة الشائعة بأن "الولد يأخذ أكثر من البنت" ليست صحيحة بشكل مطلق، فهي تعتمد على الظروف والمسؤوليات التي يتحملها كل منهما، بالتالي يتضح أن توزيع الميراث في الإسلام مبني على عدالة شاملة تأخذ في الحسبان المسؤوليات والأدوار المختلفة لكل من الذكر والأنثى، وتؤكد على حفظ كرامة الجميع دون تفضيل مطلق لجنس على آخر.

 

"موانع "

بالطبع، هناك موانع عديدة للإرث، وتنقسم هذه الموانع إلى نوعين رئيسيين: حجب الحرمان وحجب النقصان. حجب الحرمان يعني منع الشخص تمامًا من الحصول على الإرث، بينما حجب النقصان يعني تقليل نصيب الشخص في الميراث. درجة الأقرب إلى المتوفى تحجب دائمًا الدرجة الأدنى، فعلى سبيل المثال، الابن يحجب الأخت لأن درجة قربه من المتوفى أعلى.

هناك حجب النقصان، والذي يعني تقليل نصيب الشخص في الميراث. على سبيل المثال، الزوجة إذا كان للزوج أولاد، فإن نصيبها ينخفض من الربع إلى الثمن. أما إذا لم يكن للزوج أولاد، فتأخذ الربع. هذا مثال على حجب النقصان، حيث ينتقل النصيب من النصف أو الثلثين إلى الثلث أو أقل.

بجانب حجب الحرمان والنقصان، هناك موانع أخرى تمنع الشخص تمامًا من الإرث. على سبيل المثال، القتل يمنع القاتل من أن يرث المقتول إطلاقًا. فالقاتل لا يرث قتيله كعقوبة له، كذلك اختلاف الدين يعد مانعًا من الإرث، فلا يتوارث أهل ملتين مختلفتين. فمثلاً، إذا كان الرجل المسلم متزوجًا من امرأة من أهل الكتاب، فلا يجوز له أن يرث منها إذا ماتت، ولا يجوز لها أن ترث منه إذا مات.

هذه الموانع تشمل أيضًا القتل، حيث لا يجوز للقاتل أن يرث من المقتول. واختلاف الدين يعد مانعًا آخر، حيث لا يتوارث أهل ملتين مختلفتين. على سبيل المثال، إذا كان الرجل المسلم متزوجًا من امرأة من أهل الكتاب، فلا يجوز له أن يرثها إذا ماتت، ولا يجوز لها أن ترثه إذا مات، بهذا الشكل، يتضح أن الشريعة الإسلامية قد وضعت نظامًا دقيقًا ومنصفًا لتوزيع الميراث، يراعي كل الحالات الممكنة ويضمن العدالة بين جميع الأطراف. الحجب يمكن أن يكون حرمانًا كليًا أو نقصانًا جزئيًا، بينما موانع الإرث تشمل القتل واختلاف الدين، مما يضمن أن الميراث يُعطى لمن يستحقه فعلاً وفقًا للشريعة الإسلامية.

 

"الحكم "

الله سبحانه وتعالى ختم آيات الميراث في تلك الحدود التي وضعها الله، إنها حدود لا يجوز تجاوزها، فمن تعدى حدود الله سبحانه وتعالى، فإن هذا الشخص يظلم نفسه، ومن يطيع الله سبحانه وتعالى في هذه الحدود فإن جزاؤه الجنة، وعقاب من تعدي حدود الله هو النار، إن الله سبحانه وتعالى جعل حدوده ومن تعديها فقد ظلم نفسه، في سورة البقرة، وضح الله تعالى كيف أنه لما يتجاوز الإنسان حدود الله فإنه يظلم نفسه، ولهذا علم الله النبي صلى الله عليه وسلم الفرائض، وعلمها للناس، فعلم الفرائض هو أول علم نزل على الأرض، الإنسان لا يتصرف في الميراث بحسب مزاجه، بل يحدد ذلك الشرع، وهناك فارق بين العطاء في الدنيا وبين الميراث. في العطاء يمكن أن يتساوى الولد والبنت، ولكن في الميراث يحدد الشرع كيف يتم التوزيع، ويتمثل ذلك في أن الولد يأخذ نصيبًا أكبر من البنت بحسب الظروف، فبعد الوفاة، تتحكم الشريعة في توزيع الميراث ولا يحق لأحد التدخل في هذا الأمر، حتى لو كان هناك ولد عاصٍ، فإنه لا يمكن حرمانه من حقه في الميراث بسبب عصيانه، فحق المال يظل مستمرًا، على الرغم من عصيان الشخص لذاته، هكذا، يتضح أن الميراث يخضع لقوانين وحدود وضعها الشرع، ويجب الامتثال لها دون تجاوز أو تدخل من أي شخص، فهذا هو التوجيه الذي أراده الله سبحانه وتعالى في هذه المسألة.

قبل الإسلام، كانت التركة تأخذها الولد الأكبر، أو تورثها المرأة. وكانت المرأة تعتبر كالمال في البيت، تُعامل كالممتلكات. لكن عندما جاء الإسلام، أعطى الله للمرأة حقوقها ومكانتها، وجعلها شريكًا في الميراث مع الذكور. إن هذا هو دين الله سبحانه وتعالى، الذي أكرم المرأة وأعطاها حقوقها، أما الاخوة النصارى حين يختلفوا في توزيع الميراث يلجؤون الى الشريعة الإسلامية هيا التي تحكم بينهم في توزيع التركة.