قصر البارون .. استكشاف للتاريخ والعمارة

يقع في قلب مصر الجديدة، القاهرة، وهو شهادة على تاريخ مصر الغني والأعجوبة المعمارية - قصر البارون، فالدخول إلى هذا الهيكل الرائع يشبه العودة إلى عصر الثراء والابتكار والاندماج الثقافي.

يوليو 4, 2024 - 04:18
يوليو 4, 2024 - 04:29
 0  29
قصر البارون .. استكشاف للتاريخ والعمارة

جولة : بسمة سيد فرج

 

يقع في قلب مصر الجديدة، القاهرة، وهو شهادة على تاريخ مصر الغني والأعجوبة المعمارية - قصر البارون، فالدخول إلى هذا الهيكل الرائع يشبه العودة إلى عصر الثراء والابتكار والاندماج الثقافي.

 

يعود تاريخ قصر البارون إلى أوائل القرن العشرين، تم بناؤه بين عامي 1907 و1911  عندما كلف البارون إدوارد إمبان، وهو صناعي بلجيكي وصاحب رؤية ببنائه المهندس المعماري الفرنسي الشهير ألكسندر مارسيل بتصميم هندسة القصر وهي مزيج من التأثيرات الهندية والفرنسية، مما يعرض مزيجاً انتقائيا من الأساليب التي كانت سائدة في وقتها.

 

قبل زيارتي، تعمقت في الخلفية التاريخية للقصر، وتعرفت على بدايته، وخصائصه المعمارية، وأهميته كرمز لماضي مصر العالمي، كشف البحث عن منحوتات القصر المعقدة وقبة القصر  والتماثيل والتفاصيل المزخرفة والحدائق ، كلها تساهم في عظمته وجاذبيته.

 

عند وصولي إلى القصر، استقبلتني واجهته المهيبة، المزينة بتفاصيل كثيرة وزخارف رمزية، عند المرور عبر بواباتها واللوحات التاريخية التى تروى القصص والأساطير المرتبطة بالقصر وتذكر كل من شارك فى انشاءه وتصميمه، حيث تم نقلي إلى عالم الأناقة والفن المعمارى، فا تحكي كل غرفة قصة الفخامة والتبادل الثقافي.

 

الجزء الداخلي من القصر هو تحفة من الحرفية والتصميم. السلم الكبير، مع الدرابزينات المزخرفة وجدرانه المزينة بثراء، عن فترة زمنية من التاريخ كان فيها الاهتمام بالتفاصيل أمرا بالغ الأهمية، بينما كنت أتجول في الغرف الفخمة مزينة بأثاث قديم وأعمال فنية دقيقة، لم يسعني إلا أن أتعجب من مزيج التأثيرات الشرقية والغربية التي تحدد جمالية القصر.

 

كان أحد أبرز معالم الزيارة هو التعرف على جهود الترميم المبذولة للحفاظ على التراث المعماري للقصر. تنفيذ مشروع الترميم الشامل للقصر و ذلك تحت اشراف إدارة القاهرة التاريخية التابعة لوزارة السياحة والآثار، فعندما تم بناء القصر من الخرسانة المسلحة كان يعتقد ان تلك المواد المبتكرة خالية من العيوب، ولكن مع مرور الزمن بدأ الهيكل الخرساني للمبنى يواجه مشكلات انشائية خطيرة، كما أدى غياب المواد العازلة الى تسرب مياه الأمطار الى الألواح الخرسانية مما تسبب فى النهاية الى تأكل حديد التسليح، وقد هدد هذا التطور السريع بانهيار بعض اجزاء المبنى وهنا تدخل المرممون فى الوقت المناسب، مثلما يجب على الطبيب فحص المريض وتشخيصه قبل تحديد طبيعة العلاج المناسب كان يجب على المرممين والمعماريين أن يستهلوا أعمالهم بعمل دراسات شاملة للمبنى؛ لتحديد المشكلات التي تحتاج الى تدخل و معالجة، وفى حالة قصر البارون كان هذا الموضوع يمثل تحدياً لأنه كان عليهم التعامل مع حالة مبنى شيد من الخرسانة المسلحة، وقد ساعدت الرسومات الأصلية للقصر المحفوظة فى ارشيف شركة مصر الجديدة فى مباشرة اعمال الترميم. بدأت الخطوة الأولى بأعمال توثيق تفصيلي لحالة المبنى عن طريق الصور والرسومات المعمارية؛ فضلاً عن الاستعانة بأعمال المسح الضوئى، باستخدام الليزر ثلاثى الأبعاد لتوثيق و تحديد مدى الضرر الذى لحق بهيكل المبنى وتفاصيل الزخارف المتضررة، التى تم رصدها كلياً، كما قام فريق الترميم بإجراء فحص أساسات المبنى، مع أخذ عينات من التربة ومعاينة وتسجيل مستويات المياه الجوفية، وتحليل عينات من مواد البناء المختلفة؛ حتى تمكن الفريق من تحديد طرق المعالجة المناسبة ومطابقة القطع المستبدلة بالقطع الأصلية، كما اشتمل ذلك أيضاً على اخذ عينات من الألوان للكشف عن الألوان الأصلية للقصر.

 

ظهرت مشكلات انشائية خطيرة فى الألواح الخرسانية المسلحة بأسقف القصر فى حالات عدة، فتم كشف قضبان التسليح وتنظيفها من الصدأ مع تزويدها بطبقة عازلة ثم تغطيتها مرة أخرى بالخرسانة بعد اضافة طبقة تقوية. و فى نفس الوقت تم نزع ارضية الفسيفساء من السطح وبعض الأرضيات الخشبية الخاصة بحجرات القصر ونقلها إلى معامل الترميم، ليتم معالجتها بشكل ملائم، أما فى بعض الغرف الأخرى بالقصر فكان لأبد من ازالة ومعالجة وإعادة تركيب الأسقف الجصية المزخرفة التى تضررت بفعل سوء حالة ألواح الخرسانة المسلحة، فضلاً عن معالجة أرضية السطح بشكل كامل لمنع تسرب المياه مرة أخرى، كما قام فريق الترميم بمعالجة الشروخ فى الجدران عن طريق حقنها لتثبيتها كما تم استكمال الأجزاء المفقودة من الزخارف الجصية، مع تتظيف الاخشاب المتضررة بعناية شديدة فى النوافذ و الأبواب و تجاليد الجدران و السلالم، و ازالة طبقات الطلاء الحديثة و الغبار و اصلاحها و حمايتها. كما قام الفريق بتركيب أسلاك كهربائية جديدة طبقا للتصميم الأصلي الذى كان عليه القصر باستخدام نفس المسارات الاصلية الموجودة داخل الجدران و الأسقف ، تعكس كل التفاصيل التزاما بتكريم ماضي مصر وحماية كنوزها الثقافية.

عند استكشاف أراضي القصر، كنت مفتونا بالجمال المعمارى العظيم بمصر و التماثيل والمنحوتات و المجهودات التى بذلت لكى نحافظ على هذة الاثار الفينة . كان ملاذا جميلا، حيث قدم لمحة عن نمط الحياة قديماً.

بعد الزيارة، فكرت في أهمية الحفاظ على المعالم التاريخية مثل قصر البارون إمبان. بالإضافة إلى روعته المعمارية، يعمل القصر كنصب تذكاري حي للتراث الثقافي المصري، وتذكيرا بجذوره العالمية وبراعته الفنية.

في الختام، كانت زيارتي إلى قصر البارون إمبان رحلة اكتشاف وتقدير لتاريخ مصر الغني وإرثها المعماري. أكدت من جديد على أهمية الاعتزاز بكنوزنا الثقافية وحمايتها للأجيال القادمة، وضمان استمرارها في إلهام الزوار ورهبتهم من جميع أنحاء العالم.